هل القيمة الخلقية نسبية أم مطلقة ؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هل القيمة الخلقية نسبية أم مطلقة ؟
على أي أساس تقوم الأخلاق ؟
و هل القيمة الخلقية نسبية أم مطلقة ؟
مقدمة / إذا تأملنا تصرفات الناس ، نجد أن كل واحد من أفراد المجتمع يتصور
الخير و الشر من زاوية مختلفة ، فما يراه العض خير و فضيلة ، يراه آخرون شر
و رذيلة ، فندرك أن هناك مشكل في الأخلاق يستدعي منا البحث و التأمل ، و
لا يمكن أن نكون تصور واضح عن هذا المشكل الا بالنظر الى مواقف الفلاسفة :
فهل القيمة الخلقية نسبية متغيرة أم مطلقة ثابتة ؟
طرح القضية الاولى / القيمة الخلقية نسبية و متغيرة لأن أساسها المنفعة و المجتمع و كلاهما متغير و نسبي
الأساس النفعي ( مذهب اللذة) / مصدر القيمة الخلقية (المنفعة) بمعنى أن
الخير هو اللذة و الشر هو الالم و العبرة بالنتائج و ليس بالمبادئ ، و
الدليل على ذلك واقعي حيث أن الناس يميلون الى اللذة و ينفرون من الألم
بحكم طبيعتهم ..يقول أرستيب القورينائي Aristippe (435-355) مؤسس مذهب
اللذة ، (اللذة صوت الطبيعة )، و يجب الحصول عليها بكل الطرق ، و أن إشباع
الغرائز ضروري لأنها المحرك الأساسي للأفعال الإنسانية
أبيقــــورEpicure يرى أن الخير في سكينة النفس ، فهي أفضل و أولى لأنها
دائمة يمكن إحياؤها في الذاكرة كل مرة و هكذا نكون سعداء رغم ناء أجسامنا ،
مثل لذة المعرفة ، و المطالعة ، و المحبة و الصداقة ، و يدعو الى اجتناب
اللذات التي تنتهي بألم ، مع قبول الألم الذي يؤدي إلى لذة
بنتــــام Benthame حول اللذة إلى المنفعة العامة ، فوضع بذلك مسلمتين
للفعل الأخلاقي ، مسلمة فردية تقول بأن لكل فرد الحق في الحكم على لذته ، و
مسلمة جماعية تقول أن اللذة اذا اتحدت شروطها أصبحت واحدة بالنسبة للمجتمع
، فربط بنتام بين خير الفرد و خير الجماعة .و وضع سبعة أبعاد لقياس اللذة
و هي الشدة المدة النقاء الخصب القرب اليقين الامتداد أي شمول اللذة لأكبر
عدد من الناس
نفس المبدأ يدافع عنه ج س ميل J.S.Mill فالمنفعة هي المبدأ الاخلاقي الذي
يفضي الى تحقيق أكبر سعادة ممكنة ، فالخير ما هو نافع لنا و لغيرنا
(المنفعة المتبادلة). كما اهتم ميل Mill بنوعية اللذات لا كميتها يقول "
من الأفضل أن أكون إنسانا شقيا من ان أكون خنزيرا متلذذا" و ما دانت
المنفعة متغيرة و مختلفة من شخص لآخر كانت القيمة الخلقية نسبية
الأساس الاجتماعي / إن أساس القيم الخلقية هو (المجتمع) ، فالخير ما يتماش
مع العرف الاجتماعي ، و الشر ما يتنافى معه ، هذا ما تراه المدرسة الوضعية
مع اميل دوركايم ،E.Durckeime و ما يدعم هذا الموقف هو أن الفرد كائن
اجتماعي بالطبيعة ، لا يستطيع العيش خارج الجماعة فهو بمثابة الجزأ من الكل
، انه مدين للمجتمع بكل مقوماته النفسية و العقلية و السلوكية ، يتأثر
ببيئته ، و يتصرف حسب الجماعة التي ينتمي اليها فلولا الغير لما كان بحاجة
الى أخلاق .
إن الطفل يكون فكرته عن الخير و الشر بالتدريج اعتمادا على أوامر و نواهي
أفراد مجتمعه ، سواء في الاسرة او المدرسة يقول دوركايم " عندما يتكلم
ضميرنا فان المجتمع هو الذي يتكلم فينا " بمعنى أن الضمير الفردي ما هو
الا صدى للضمير الجمعي . و على هذا الأساس لا يمكن للفرد ان يبتكر لنفسه
قيما و أخلاقيات بل يأخذها جاهزة من المتجر الاجتماعي كما يأخذ ملابسه من
النحل التجاري ،
و يرى ليفي برول L.Bruhl أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية ، تنضم العلاقة مع
الغير و تمنح قوانينها للفرد بواسطة التربية ، و الخير و الشر يتحددان
بمدى اندماج الفرد في الجماعة أو عدم اندماجه فيها . فالاندماج هو مقياس
الخير ، وعدم الاندماج هو مقياس الشر . و بما أن لكل مجتمع عادات و تقاليد
و نظم خاصة كانت القيمة الخلقية أيضا نسبية و متغيرة
النقـــــــد/ رغم أن الناس تدفعهم طبيعتهم النفعية الى وضع المصلحة فوق كل
اعتبار غير أن هذا ليس مبررا كافيا يجعل المنفعة مقياسا للسلوك الأخلاقي ،
كونها خاصية ذاتية تختلف باختلاف الميول و الرغبات ، فاذا خضع الناس لها
اصطدمت مصالحهم بعضها البعض ، و عمت الفوضى في المجتمع فما ينفع البعض قد
يضر بالبعض الآخر ، و ليس كل شيئ فيه لذة خير بالضرورة
للمجتمع تأثير في الفرد ، لكن هذا لا يعني أن كل ما يقوله المجتمع أخلاقي
بالضرورة ، و الا كيف نفسر لجوء المصلحين إلى تغيير ما في مجتمعاتهم من
عادات بالية و قوانين جائرة ، و كيف نفسر اختلاف أفراد المجتمع الواحد في
أخلاقهـــــــــــــــــم.
طرح القضية الثانية / القيمة الخلقية مطلقة و ثابتة لأن أساسها العقل و الشرع
*الأساس العقلي / ان أساس القيمة الخلقية هو العقل ، فالخير ما يتطابق مع
أحكام العقل ، و الشر ما يخضع لحكم الغرائز و الشهوات العمياء ، و يتعارض
مع الواجب . قال أفلاطون " Platon ( الفضائل ثلاث: الحكمة فضيلة العقل ، و
العفة فضيلة القوة الشهوانية ، و الشجاعة فضيلة القوة الغضبية ) و الحكمة
رأس الفضائل كلها لأنها تحد من طغيان الشهوة و تلطف الغضبية ، و اذا خضعت
الالقوة الشهوانية للغضبية ، و الغضبية للعقل تحقق في النفس الانتظام و
التناسب و يسمي أفلاطون حالة التناسب هذه بالعدالــــة.
و ذهب الفيلسوف الالماني كانط Kant الى تقدير الفعل من خلال مبادئه و نيّة
فاعله ، فالخير ما يسير بمقتضى الواجب الذي يمليه الضمير ، و يكون نابعا من
الارادة الخيرة و الشر ما يتعارض مع الواجب يقول ( أن القيمة الخلقية
للفعل تكمن في مبدأ الارادة الخيرة ، بغض النظر عن ما ينتج عن الفعل من كسب
أو خسارة ) : ، لذلك ميز كانط بين نوعين من الأوامر : الأمر الشرطي ،
المرتبط بالمنافع ، فيفقد بذالك قيمته الخلقية كأن نقول قل الصدق حتى يثق
فيك الناس ،. و الأمر المطلق (القطعي) المنزه من كل مبدأ نفعي ، و المستجيب
لصوت الضمير يحمل الخير في ذاته كأن نقول كن صادقا . أو كن أمينا ، هو
الواجب من اجل الواجب و لا يتغير مع النتائج ، إذ لا يعقل أن يصبح ذات يوم
الصدق شر ، و الكذب خير ، أو تصبح الأمانة رذيلة و الخيانة فضيلة ،
فالأخلاق مبادئ ثابتة و مطلقة و عليه وضع كانط ثلاثة قواعد للسلوك
الأخلاقي :
ا- قاعدة التعميم : إعمل كما لو كان عملك قانونا عاما فالبعض مثلا يرى في
الكذب منفعة ، لكنه لن يكون أبدا سلوكا أخلاقيا ، كونه لا يصلح للتعميم ،
فاذا كنا نرفض الكذب علينا ، فمعنى ذلك لأنه لا ينبغي علينا أن نكذب حتى و
لو كان الكذب في صالحنا . نفس الشيئ بالنسبة لجميع الأفعال
ب- قاعدة الغائية / اعمل و كأنك تعامل الإنسانية في نفسك و غيرك كغاية لا
مجرد وسيلة ، فالواجب يأمرنا أن لا نجعل الانسان مهما كانت صفاته مجرد أداة
لتحقيق مصلحة ، فالشخص الذي يعطي وعودا كاذبة يتخذ الآخرين مجرد وسائل من
أجل تحقيق رغبات و منافع معينة من غير أن يلتفت الى أن لهم حقوقا بصفتهم
كائنات عاقلة يقول كانط( لو كانت سعادة البشرية متوقفة على قتل طفل بريئ
لكان قتله سلوكا لا أخلاقيا )
ج- قاعدة التشريع / اعمل بحيث تكون إرادتك الحرة المشرعة للقانون الأخلاقي
في جمهورية العقلاء ، و هذا يعني أن الواجب يقتضي منا أن نجعل من أفعالنا
مثالا يقتدى به ، و قانونا نؤسسه بإرادتنا لأنفسنا و لغيرنا باعتبارنا
كائنات حرة و عاقلة ، اننا ندرك بعقلنا و نور ضميرنا لا بحكم اللذة و
المصلحة أن الصدق و الإخلاص و الوفاء واجبات كونها أفعال خيرة في ذاتها و
عند الالتزام بها نكون قد جعلناها قانونا أخلاقيا .
الأساس الشرعي . ان أساس القيمة الخلقية هو الشرع . قال تعالى في سورة
النحل ( و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين)
فالخير إذن ما يستجيب لأوامر الشرع ، و الشرع ما يخالفها يقول الاشاعرة و
هم أتباع ابي حسن الأشعري :الحسن ما حث الله عليه و رغب فيه ، و القبح ما
نهى الله عنه و رهب منه . إذن الخير و الشر يوجبهما الشرع لا العقل كما
ادعت المعتزلة ، فالعقل بحكم قصوره و ضيق معرفته ، لا يستطيع الاهتداء
الى الحق لوحده فكان لا بد أن يعتمد على الشرع قال تعالى في سورة الحشر ( و
ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم ( تركت فيكم امرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب
الله و سنتي ) و ما دامت ارادة الله مطلقة ، و الرسول الكريم بعث للناس
كافة ، و الاسلام دين يصلح لكل زمان و مكان كانت القيمة الخلقية مطلقة و
ثابتة و لا اختيار لإرادة الإنسان أمام الإرادة الإلهية
النقد / لا ينكر أحد دور العقل في توجيه السلوك نحو الخير ، و اجتناب الشر ،
لكن تجريد الفعل من كل غاية أو منفعة قد يجعله جافا , غير مرغوب فيه ،
فأخلاق الواجب مثالية للغاية ، و صورية ، تهتم بالمبادئ المطلقة دون
المعالات الخاصة ، لذلك لا يمكن للانسان العادي الذي يتفاعل مع واقعه ، و
تحركه الدوافع و الغايات أن يعمل بها ، و يرى الفيلسوف الالماني شوبنهاور و
هو أحد تلامذة كانط( ان الواجب الكانطي قانون سلبي ، يصلح لعالم الملائكة
لا لعالم البشر)
النقد/ ان الشرع لم يلغ أبدا دور العقل في استنباط الاحكام ، فهناك كثير من
المسائل تظهر مع تطور الحياة الاجتماعية و العلمية تحتاج الى اجتهاد الرأي
، ووجود علم الفقه أحسن دليل على ذلك ، و في الاجتهاد اختلاف و صدق نسبي .
التركيب / رغم اختلاف الفلاسفة في تحديد المعايير التي ندرك بها الخير ،
نرى أن هناك تكامل بنها ، فكلما وفق المرء بين مطالبه النفعية ، و احكامه
العقلية و ما يقرره المجتمع من قوانين و قواعد سلوكية ، و ما أمر به الشرع و
ما نهى عنه ، كان صاحب هذا الفعل أكثر خلقا من غيره
الخاتمة/ و حل المشكلة : إنطلاقا من هذا التكامل في الأسس التي تبنى عليها
القيمة الخلقية يمكن القول أن الأخلاق في مبادئها مطلقة وة ثابتة ، و في
المعاملات تكون نسبية و متغيرة حسب المقتضيات .و أن تبق ارادة الخير هي
المسيطرة على جميع أفعالنا
الأستاذ جحلاط فيصل يهدي هذه المقالة المفصلة لكل طلبة
الفلسفة
بالتوفيق ان شاء الله
و هل القيمة الخلقية نسبية أم مطلقة ؟
مقدمة / إذا تأملنا تصرفات الناس ، نجد أن كل واحد من أفراد المجتمع يتصور
الخير و الشر من زاوية مختلفة ، فما يراه العض خير و فضيلة ، يراه آخرون شر
و رذيلة ، فندرك أن هناك مشكل في الأخلاق يستدعي منا البحث و التأمل ، و
لا يمكن أن نكون تصور واضح عن هذا المشكل الا بالنظر الى مواقف الفلاسفة :
فهل القيمة الخلقية نسبية متغيرة أم مطلقة ثابتة ؟
طرح القضية الاولى / القيمة الخلقية نسبية و متغيرة لأن أساسها المنفعة و المجتمع و كلاهما متغير و نسبي
الأساس النفعي ( مذهب اللذة) / مصدر القيمة الخلقية (المنفعة) بمعنى أن
الخير هو اللذة و الشر هو الالم و العبرة بالنتائج و ليس بالمبادئ ، و
الدليل على ذلك واقعي حيث أن الناس يميلون الى اللذة و ينفرون من الألم
بحكم طبيعتهم ..يقول أرستيب القورينائي Aristippe (435-355) مؤسس مذهب
اللذة ، (اللذة صوت الطبيعة )، و يجب الحصول عليها بكل الطرق ، و أن إشباع
الغرائز ضروري لأنها المحرك الأساسي للأفعال الإنسانية
أبيقــــورEpicure يرى أن الخير في سكينة النفس ، فهي أفضل و أولى لأنها
دائمة يمكن إحياؤها في الذاكرة كل مرة و هكذا نكون سعداء رغم ناء أجسامنا ،
مثل لذة المعرفة ، و المطالعة ، و المحبة و الصداقة ، و يدعو الى اجتناب
اللذات التي تنتهي بألم ، مع قبول الألم الذي يؤدي إلى لذة
بنتــــام Benthame حول اللذة إلى المنفعة العامة ، فوضع بذلك مسلمتين
للفعل الأخلاقي ، مسلمة فردية تقول بأن لكل فرد الحق في الحكم على لذته ، و
مسلمة جماعية تقول أن اللذة اذا اتحدت شروطها أصبحت واحدة بالنسبة للمجتمع
، فربط بنتام بين خير الفرد و خير الجماعة .و وضع سبعة أبعاد لقياس اللذة
و هي الشدة المدة النقاء الخصب القرب اليقين الامتداد أي شمول اللذة لأكبر
عدد من الناس
نفس المبدأ يدافع عنه ج س ميل J.S.Mill فالمنفعة هي المبدأ الاخلاقي الذي
يفضي الى تحقيق أكبر سعادة ممكنة ، فالخير ما هو نافع لنا و لغيرنا
(المنفعة المتبادلة). كما اهتم ميل Mill بنوعية اللذات لا كميتها يقول "
من الأفضل أن أكون إنسانا شقيا من ان أكون خنزيرا متلذذا" و ما دانت
المنفعة متغيرة و مختلفة من شخص لآخر كانت القيمة الخلقية نسبية
الأساس الاجتماعي / إن أساس القيم الخلقية هو (المجتمع) ، فالخير ما يتماش
مع العرف الاجتماعي ، و الشر ما يتنافى معه ، هذا ما تراه المدرسة الوضعية
مع اميل دوركايم ،E.Durckeime و ما يدعم هذا الموقف هو أن الفرد كائن
اجتماعي بالطبيعة ، لا يستطيع العيش خارج الجماعة فهو بمثابة الجزأ من الكل
، انه مدين للمجتمع بكل مقوماته النفسية و العقلية و السلوكية ، يتأثر
ببيئته ، و يتصرف حسب الجماعة التي ينتمي اليها فلولا الغير لما كان بحاجة
الى أخلاق .
إن الطفل يكون فكرته عن الخير و الشر بالتدريج اعتمادا على أوامر و نواهي
أفراد مجتمعه ، سواء في الاسرة او المدرسة يقول دوركايم " عندما يتكلم
ضميرنا فان المجتمع هو الذي يتكلم فينا " بمعنى أن الضمير الفردي ما هو
الا صدى للضمير الجمعي . و على هذا الأساس لا يمكن للفرد ان يبتكر لنفسه
قيما و أخلاقيات بل يأخذها جاهزة من المتجر الاجتماعي كما يأخذ ملابسه من
النحل التجاري ،
و يرى ليفي برول L.Bruhl أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية ، تنضم العلاقة مع
الغير و تمنح قوانينها للفرد بواسطة التربية ، و الخير و الشر يتحددان
بمدى اندماج الفرد في الجماعة أو عدم اندماجه فيها . فالاندماج هو مقياس
الخير ، وعدم الاندماج هو مقياس الشر . و بما أن لكل مجتمع عادات و تقاليد
و نظم خاصة كانت القيمة الخلقية أيضا نسبية و متغيرة
النقـــــــد/ رغم أن الناس تدفعهم طبيعتهم النفعية الى وضع المصلحة فوق كل
اعتبار غير أن هذا ليس مبررا كافيا يجعل المنفعة مقياسا للسلوك الأخلاقي ،
كونها خاصية ذاتية تختلف باختلاف الميول و الرغبات ، فاذا خضع الناس لها
اصطدمت مصالحهم بعضها البعض ، و عمت الفوضى في المجتمع فما ينفع البعض قد
يضر بالبعض الآخر ، و ليس كل شيئ فيه لذة خير بالضرورة
للمجتمع تأثير في الفرد ، لكن هذا لا يعني أن كل ما يقوله المجتمع أخلاقي
بالضرورة ، و الا كيف نفسر لجوء المصلحين إلى تغيير ما في مجتمعاتهم من
عادات بالية و قوانين جائرة ، و كيف نفسر اختلاف أفراد المجتمع الواحد في
أخلاقهـــــــــــــــــم.
طرح القضية الثانية / القيمة الخلقية مطلقة و ثابتة لأن أساسها العقل و الشرع
*الأساس العقلي / ان أساس القيمة الخلقية هو العقل ، فالخير ما يتطابق مع
أحكام العقل ، و الشر ما يخضع لحكم الغرائز و الشهوات العمياء ، و يتعارض
مع الواجب . قال أفلاطون " Platon ( الفضائل ثلاث: الحكمة فضيلة العقل ، و
العفة فضيلة القوة الشهوانية ، و الشجاعة فضيلة القوة الغضبية ) و الحكمة
رأس الفضائل كلها لأنها تحد من طغيان الشهوة و تلطف الغضبية ، و اذا خضعت
الالقوة الشهوانية للغضبية ، و الغضبية للعقل تحقق في النفس الانتظام و
التناسب و يسمي أفلاطون حالة التناسب هذه بالعدالــــة.
و ذهب الفيلسوف الالماني كانط Kant الى تقدير الفعل من خلال مبادئه و نيّة
فاعله ، فالخير ما يسير بمقتضى الواجب الذي يمليه الضمير ، و يكون نابعا من
الارادة الخيرة و الشر ما يتعارض مع الواجب يقول ( أن القيمة الخلقية
للفعل تكمن في مبدأ الارادة الخيرة ، بغض النظر عن ما ينتج عن الفعل من كسب
أو خسارة ) : ، لذلك ميز كانط بين نوعين من الأوامر : الأمر الشرطي ،
المرتبط بالمنافع ، فيفقد بذالك قيمته الخلقية كأن نقول قل الصدق حتى يثق
فيك الناس ،. و الأمر المطلق (القطعي) المنزه من كل مبدأ نفعي ، و المستجيب
لصوت الضمير يحمل الخير في ذاته كأن نقول كن صادقا . أو كن أمينا ، هو
الواجب من اجل الواجب و لا يتغير مع النتائج ، إذ لا يعقل أن يصبح ذات يوم
الصدق شر ، و الكذب خير ، أو تصبح الأمانة رذيلة و الخيانة فضيلة ،
فالأخلاق مبادئ ثابتة و مطلقة و عليه وضع كانط ثلاثة قواعد للسلوك
الأخلاقي :
ا- قاعدة التعميم : إعمل كما لو كان عملك قانونا عاما فالبعض مثلا يرى في
الكذب منفعة ، لكنه لن يكون أبدا سلوكا أخلاقيا ، كونه لا يصلح للتعميم ،
فاذا كنا نرفض الكذب علينا ، فمعنى ذلك لأنه لا ينبغي علينا أن نكذب حتى و
لو كان الكذب في صالحنا . نفس الشيئ بالنسبة لجميع الأفعال
ب- قاعدة الغائية / اعمل و كأنك تعامل الإنسانية في نفسك و غيرك كغاية لا
مجرد وسيلة ، فالواجب يأمرنا أن لا نجعل الانسان مهما كانت صفاته مجرد أداة
لتحقيق مصلحة ، فالشخص الذي يعطي وعودا كاذبة يتخذ الآخرين مجرد وسائل من
أجل تحقيق رغبات و منافع معينة من غير أن يلتفت الى أن لهم حقوقا بصفتهم
كائنات عاقلة يقول كانط( لو كانت سعادة البشرية متوقفة على قتل طفل بريئ
لكان قتله سلوكا لا أخلاقيا )
ج- قاعدة التشريع / اعمل بحيث تكون إرادتك الحرة المشرعة للقانون الأخلاقي
في جمهورية العقلاء ، و هذا يعني أن الواجب يقتضي منا أن نجعل من أفعالنا
مثالا يقتدى به ، و قانونا نؤسسه بإرادتنا لأنفسنا و لغيرنا باعتبارنا
كائنات حرة و عاقلة ، اننا ندرك بعقلنا و نور ضميرنا لا بحكم اللذة و
المصلحة أن الصدق و الإخلاص و الوفاء واجبات كونها أفعال خيرة في ذاتها و
عند الالتزام بها نكون قد جعلناها قانونا أخلاقيا .
الأساس الشرعي . ان أساس القيمة الخلقية هو الشرع . قال تعالى في سورة
النحل ( و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين)
فالخير إذن ما يستجيب لأوامر الشرع ، و الشرع ما يخالفها يقول الاشاعرة و
هم أتباع ابي حسن الأشعري :الحسن ما حث الله عليه و رغب فيه ، و القبح ما
نهى الله عنه و رهب منه . إذن الخير و الشر يوجبهما الشرع لا العقل كما
ادعت المعتزلة ، فالعقل بحكم قصوره و ضيق معرفته ، لا يستطيع الاهتداء
الى الحق لوحده فكان لا بد أن يعتمد على الشرع قال تعالى في سورة الحشر ( و
ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) و قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم ( تركت فيكم امرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب
الله و سنتي ) و ما دامت ارادة الله مطلقة ، و الرسول الكريم بعث للناس
كافة ، و الاسلام دين يصلح لكل زمان و مكان كانت القيمة الخلقية مطلقة و
ثابتة و لا اختيار لإرادة الإنسان أمام الإرادة الإلهية
النقد / لا ينكر أحد دور العقل في توجيه السلوك نحو الخير ، و اجتناب الشر ،
لكن تجريد الفعل من كل غاية أو منفعة قد يجعله جافا , غير مرغوب فيه ،
فأخلاق الواجب مثالية للغاية ، و صورية ، تهتم بالمبادئ المطلقة دون
المعالات الخاصة ، لذلك لا يمكن للانسان العادي الذي يتفاعل مع واقعه ، و
تحركه الدوافع و الغايات أن يعمل بها ، و يرى الفيلسوف الالماني شوبنهاور و
هو أحد تلامذة كانط( ان الواجب الكانطي قانون سلبي ، يصلح لعالم الملائكة
لا لعالم البشر)
النقد/ ان الشرع لم يلغ أبدا دور العقل في استنباط الاحكام ، فهناك كثير من
المسائل تظهر مع تطور الحياة الاجتماعية و العلمية تحتاج الى اجتهاد الرأي
، ووجود علم الفقه أحسن دليل على ذلك ، و في الاجتهاد اختلاف و صدق نسبي .
التركيب / رغم اختلاف الفلاسفة في تحديد المعايير التي ندرك بها الخير ،
نرى أن هناك تكامل بنها ، فكلما وفق المرء بين مطالبه النفعية ، و احكامه
العقلية و ما يقرره المجتمع من قوانين و قواعد سلوكية ، و ما أمر به الشرع و
ما نهى عنه ، كان صاحب هذا الفعل أكثر خلقا من غيره
الخاتمة/ و حل المشكلة : إنطلاقا من هذا التكامل في الأسس التي تبنى عليها
القيمة الخلقية يمكن القول أن الأخلاق في مبادئها مطلقة وة ثابتة ، و في
المعاملات تكون نسبية و متغيرة حسب المقتضيات .و أن تبق ارادة الخير هي
المسيطرة على جميع أفعالنا
الأستاذ جحلاط فيصل يهدي هذه المقالة المفصلة لكل طلبة
الفلسفة
بالتوفيق ان شاء الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى