تسع وقفات للنساء فى رمضان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تسع وقفات للنساء فى رمضان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذه كلمات وجيزة، ونداءات غالية، نهديها إلى المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، نسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات، وأن تكون عوناً لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم.
الوقفة الأولى: رمضان نعمة يجب أن تشكر:
أختاه! إن شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران؛ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين » (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلّم: « من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه » (متفق عليه).
وقال تعالى في الحديث القدسي: « كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به » (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلّم: « إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها، فيستجاب له » (رواه أحمد بسند صحيح)، وفيه ليلة القدر؛ قال تعالى: { ليلة القدر خير من ألف شهر } [القدر:3].
فيا أختي المسلمة: هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم، وهي تبين عظم نعمة الله تعالى عليك بأن آثرك على غيرك وهيأك لصيامه وقيامه، فكم من الناس صاموا معنا رمضان الغابر، وهم الآن بين أطباق الثرى مجندلين في قبورهم. فاشكري الله أختي المسلمة على هذه النعمة، ولا تقابليها بالمعاصي و السيئات فتزول وتنمحي ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمـة فارعها *** فإن المـعاصي تزيل النعم
و حطها بطاعة رب العباد *** فرب الـعباد سريع النقم
الوقفة الثانية: كيف تستقبلين رمضان؟!
1ـ بالمبادرة إلى التوبة الصادقة كما قال سبحانه: { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [النور:31].
2ـ بالتخلص من جميع المنكرات من كذب وغيبة ونميمة وفحش وغناء وتبرج واختلاط وغير ذلك.
3ـ بعقد العزم الصادق و الهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وعدم تضييع أوقاته الشريفة فيما لا يفيد.
4ـ بكثرة الذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن.
5ـ بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتأديتها بتؤدة وطمأنينة وخشوع.
6ـ بالمحافظة على النوافل بعد إتيان الفرائض.
الوقفة الثالثة: تعلمي أحكام الصيام:
يجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الصيام، فرائضه وسننه وآدابه، حتى يصح صومها ويكون مقبولاً عند الله تعالى، وهذه نبذة يسيرة في أحكام صيام المرأة:
1ـ يجب الصيام على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة (غير مسافرة) قادرة (غير مريضة) سالمة من الموانع كالحيض والنفاس.
2ـ إذا بلغت الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم؛ لأنها صارت من أهل الوجوب، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر؛ لأنها لم تكن من أهل الوجوب.
3ـ تشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم وواجب، كالقضاء و الكفارة لحديث: « لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل » (رواه أبو داود) فإذا نويت الصيام في أي جزء من أجزاء الليل ولو قبل الفجر بلحظة صح الصيام.
4ـ مفسدات الصوم سبعة:
أ ـ الجماع.
ب ـ إنزال المني بمباشرة أو ضم أو تقبيل.
جـ ـ الأكل والشرب.
د ـ ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبر المغذية.
هـ ـ إخراج الدم بالحجامة والفصد.
و ـ التقيؤ عمداً
زـ خروج دم الحيض والنفاس.
5ـ الحامل إذا رأت القصة البيضاء ـ وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض ـ التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام من الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه، فإن خرج نظيفاً صامت، وإن رجع دم الحيض أفطرت.
6ـ الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتبه الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الحيض، فإنه شيء كتبه الله على بنات آدم.
7ـ إذا طهرت النفساء قبل الأربعين صامت واغتسلت للصلاة، وإذا تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت، وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إذا وافق وقت حيضها المعتاد فهو حينئذ حيض.
8ـ دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
9ـ الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار، وليس عليهما إلا القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم » (رواه الترمذي وقال: حسن).
10ـ لا بأس للصائمة بتذوق الطعام للحاجة، ولكن لا تبتلع شيئاً منه، بل تمجه وتخرجه من فيها، ولا يفسد بذلك صومها.
11ـ يستحب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، وتأخير السحور، قال صلى الله عليه وسلّم: « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر » (متفق عليه).
الوقفة الرابعة: رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام:
أختي المسلمة: فرض الله صيام رمضان ليتعود المسلم على الصبر وقوة التحمل، حتى يكون ضابطاً لنفسه، قامعاً لشهوته، متقياً لربه، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [البقرة:183].
وقد سئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الفقير!!.
وإن مما يبعث على الأسف ما نراه من إشراف كثير من الناس في الطعام و الشراب في هذا الشهر، حيث إن كميات الأطعمة التي تستخدمها كل أسرة في رمضان أكثر منها في أي شهر من شهور السنة!! إلا من رحم الله. وكذلك فإن المرأة تقضي معظم ساعات النهار داخل المطبخ لإعداد ألوان الأطعمة وأصناف المشروبات!!.
فمتى تقرأ هذه القرآن؟
ومتى تذكر الله وتتوجه إليه بالدعاء والاستغفار؟
ومتى تتعلم أحكام الصيام وآداب القيام؟
ومتى تتفرغ لطاعة الله عز وجل؟
فلتحذري ـ أختاه ـ من تضييع أوقات هذا الشهر في غير طاعة الله وعبادته، فقد خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه » (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
الوقفة الخامسة: رمضان شهر القرآن:
لشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست لباقي الشهور، قال الله تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } [البقرة:185]. فرمضان و القرآن متلازمان، إذا ذكر رمضان ذكر القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ».
في هذا الحديث دليل على استحباب تلاوة القرآن ودراسته في رمضان، واستحباب ذلك ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: { إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا } [المزمل:6].
وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام. وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وقال عبد الرازق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
وأنت ـ أختي المسلمة ـ ينبغي أن يكون لك ورد من تلاوة القرآن، يحيا به قلبك، وتزكو به نفسك، وتخشع له جوارحك، وبذلك تستحقين شفاعة القرآن يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفّعان ». (رواه أحمد والحاكم بسند صحيح).
الوقفة السادسة: رمضان شهر الجود والإحسان:
أختي المسلمة: حث النبي صلى الله عليه وسلّم النساء على الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: « يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار » (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلّم: « تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن » (رواه البخاري).
ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت في يوم واحد بمائة ألف، وكانت صائمة في ذلك اليوم، فقالت لها خادمتها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟ فقالت: لو ذكرتني لفعلت!!.
أما الجود في رمضان فإنه أفضل من الجود في غيره، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلّم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان جوده صلى الله عليه وسلّم شاملاً جميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم.
ومن الجود في رمضان إطعام الصائمين: فاحرصي ـ أختي المسلمة ـ على أن تفطري صائماً، فإن في ذلك الأجر العظيم، والخير العميم، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً » (رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح).
واحرصي كذلك على الصدقة الجارية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له » (رواه مسلم).
الوقفة السابعة: رمضان شهر القيام:
أختي المسلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالوا له: يارسول الله! تفعل ذلك وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: « أفلا أكون عبداً شكورا » (متفق عليه). وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه » (متفق عليه).
وللمرأة أن تذهب إلى المسجد لتؤدي فيه الصلوات ومنها صلاة التراويح، غير أن صلاتها في بيتها أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن » (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
قال الحافظ الدمياطي: "كان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغلس ـ أي الظلمة ـ وكان إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلّم يقال للرجال: مكانكم حتى ينصرف النساء، ومع هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن صلاتهن في بيوتهن أفضل لهن. فما ظنك فيمن تخرج متزينة، متبخرة، متبهرجة، لابسة أحسن ثيابها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي صلى الله عليه وسلّم ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد. هذا قولها في حق الصحابيات ونساء الصدر الأول، فما ظنك لو رأت نساء زماننا هذا؟!" ا.هـ.
فعلى المرأة الرشيدة إذا أرادت الخروج إلى المسجد أن تخرج على الهيئة التي كانت عليها نساء السلف إذا خرجن إلى المساجد.
وعليها كذلك استحضار النية الصالحة في ذلك، وأنها ذاهبة لأداء الصلاة، وسماع آيات الله عز وجل، وهذا يدعوها إلى السكينة والوقار وعدم لفت الأنظار إليها.
بعض النساء يذهبن إلى المسجد مع السائق بمفردهن فيكن بذلك مرتكبات لمحرم سعياً في طلب نافلة، وهذا من أعظم الجهل وأشد الحمق.
ولا يجوز للمرأة أن تتعطر أو تتطيب وهي خارجة من منزلها، كما أنه لا يجوز لها أن تتبخر بالمجامر لقوله صلى الله عليه وسلّم: « إيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء » (رواه مسلم).
وعلى المرأة ألا تصطحب معها الأطفال الذين لا يصبرون على انشغالها عنهم بالصلاة، فيؤذون بقية المصلين بالبكاء والصراخ، أو بالعبث في المصاحف وأمتعة المسجد وغيرها.
الوقفة الثامنة: صيام الجوارح:
أختي المسلمة: اعلمي أن الصائم هو الذي صامَت جوارحه عن الآثام، فصامَت عيناه عن النظر إلى المحرمات، وصامَت أذناه عن سماع المحرمات من كذب وغيبة ونميمة وغناء وكل أنواع الباطل، وصامت يداه عن البطش المحرم، وصامت رجلاه عن المشي إلى الحرام، وصام لسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم فبالكلام الطيب الذي لاحت فائدته وبانت ثمرته، فلا يتكلم بالكلام الفاحش البذيء الذي يجرح صيامه أو يفسده. ولا يفري كذلك في أعراض المسلمين كذباً وغيبة ونميمة وحقداً وحسداً؛ لأنه يعلم أن ذلك من أكبر الكبائر وأعظم المنكرات ـ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من لم يدع قول الزور والعمل به و الجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه » (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلّم: «.. وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحدُ أو قاتله فليقل:إني امرؤ صائم » (متفق عليه).
وأما من يصوم عن الطعام والشراب فقط، ويفطر على لحوم إخوانه المسلمين وأعراضهم فإنه المعني بقوله صلى الله عليه وسلّم: « رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش » (رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح).
الوقفة التاسعة: خطوات عملية للمحافظة على الأوقات في رمضان:
ينبغي على المرأة أن تستثمر أوقات هذا الشهر العظيم فيما يجلب لها الفوز و السعادة يوم القيامة، وأن تغتنم أيامه ولياليه فيما يقربها من الجنة ويباعدها عن النار، وذلك بطاعة الله تعالى والبعد عن معاصيه، وحتى تكون المرأة صائنة لأوقاتها في هذا الشهر الكريم فإن عليها ما يلي:
1ـ عدم الخروج من البيت إلا لضرورة، أو لطاعة لله محققة، أو حاجة لابد منها.
2ـ تجنب ارتياد الأسواق وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ويمكن شراء ملابس العيد قبل العشر الأواخر أو قبل رمضان.
3ـ تجنب الزيارات التي ليس لها سبب، وإن كان لها سبب كزيارة مريض فينبغي عدم الإطالة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذه كلمات وجيزة، ونداءات غالية، نهديها إلى المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، نسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات، وأن تكون عوناً لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم.
الوقفة الأولى: رمضان نعمة يجب أن تشكر:
أختاه! إن شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران؛ قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين » (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلّم: « من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه » (متفق عليه).
وقال تعالى في الحديث القدسي: « كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به » (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلّم: « إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها، فيستجاب له » (رواه أحمد بسند صحيح)، وفيه ليلة القدر؛ قال تعالى: { ليلة القدر خير من ألف شهر } [القدر:3].
فيا أختي المسلمة: هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم، وهي تبين عظم نعمة الله تعالى عليك بأن آثرك على غيرك وهيأك لصيامه وقيامه، فكم من الناس صاموا معنا رمضان الغابر، وهم الآن بين أطباق الثرى مجندلين في قبورهم. فاشكري الله أختي المسلمة على هذه النعمة، ولا تقابليها بالمعاصي و السيئات فتزول وتنمحي ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمـة فارعها *** فإن المـعاصي تزيل النعم
و حطها بطاعة رب العباد *** فرب الـعباد سريع النقم
الوقفة الثانية: كيف تستقبلين رمضان؟!
1ـ بالمبادرة إلى التوبة الصادقة كما قال سبحانه: { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [النور:31].
2ـ بالتخلص من جميع المنكرات من كذب وغيبة ونميمة وفحش وغناء وتبرج واختلاط وغير ذلك.
3ـ بعقد العزم الصادق و الهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وعدم تضييع أوقاته الشريفة فيما لا يفيد.
4ـ بكثرة الذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن.
5ـ بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتأديتها بتؤدة وطمأنينة وخشوع.
6ـ بالمحافظة على النوافل بعد إتيان الفرائض.
الوقفة الثالثة: تعلمي أحكام الصيام:
يجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الصيام، فرائضه وسننه وآدابه، حتى يصح صومها ويكون مقبولاً عند الله تعالى، وهذه نبذة يسيرة في أحكام صيام المرأة:
1ـ يجب الصيام على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة (غير مسافرة) قادرة (غير مريضة) سالمة من الموانع كالحيض والنفاس.
2ـ إذا بلغت الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم؛ لأنها صارت من أهل الوجوب، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر؛ لأنها لم تكن من أهل الوجوب.
3ـ تشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم وواجب، كالقضاء و الكفارة لحديث: « لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل » (رواه أبو داود) فإذا نويت الصيام في أي جزء من أجزاء الليل ولو قبل الفجر بلحظة صح الصيام.
4ـ مفسدات الصوم سبعة:
أ ـ الجماع.
ب ـ إنزال المني بمباشرة أو ضم أو تقبيل.
جـ ـ الأكل والشرب.
د ـ ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبر المغذية.
هـ ـ إخراج الدم بالحجامة والفصد.
و ـ التقيؤ عمداً
زـ خروج دم الحيض والنفاس.
5ـ الحامل إذا رأت القصة البيضاء ـ وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض ـ التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام من الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه، فإن خرج نظيفاً صامت، وإن رجع دم الحيض أفطرت.
6ـ الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتبه الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الحيض، فإنه شيء كتبه الله على بنات آدم.
7ـ إذا طهرت النفساء قبل الأربعين صامت واغتسلت للصلاة، وإذا تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت، وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إذا وافق وقت حيضها المعتاد فهو حينئذ حيض.
8ـ دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
9ـ الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار، وليس عليهما إلا القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم » (رواه الترمذي وقال: حسن).
10ـ لا بأس للصائمة بتذوق الطعام للحاجة، ولكن لا تبتلع شيئاً منه، بل تمجه وتخرجه من فيها، ولا يفسد بذلك صومها.
11ـ يستحب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، وتأخير السحور، قال صلى الله عليه وسلّم: « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر » (متفق عليه).
الوقفة الرابعة: رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام:
أختي المسلمة: فرض الله صيام رمضان ليتعود المسلم على الصبر وقوة التحمل، حتى يكون ضابطاً لنفسه، قامعاً لشهوته، متقياً لربه، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [البقرة:183].
وقد سئل بعض السلف: لم شرع الصيام؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الفقير!!.
وإن مما يبعث على الأسف ما نراه من إشراف كثير من الناس في الطعام و الشراب في هذا الشهر، حيث إن كميات الأطعمة التي تستخدمها كل أسرة في رمضان أكثر منها في أي شهر من شهور السنة!! إلا من رحم الله. وكذلك فإن المرأة تقضي معظم ساعات النهار داخل المطبخ لإعداد ألوان الأطعمة وأصناف المشروبات!!.
فمتى تقرأ هذه القرآن؟
ومتى تذكر الله وتتوجه إليه بالدعاء والاستغفار؟
ومتى تتعلم أحكام الصيام وآداب القيام؟
ومتى تتفرغ لطاعة الله عز وجل؟
فلتحذري ـ أختاه ـ من تضييع أوقات هذا الشهر في غير طاعة الله وعبادته، فقد خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه » (رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
الوقفة الخامسة: رمضان شهر القرآن:
لشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست لباقي الشهور، قال الله تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } [البقرة:185]. فرمضان و القرآن متلازمان، إذا ذكر رمضان ذكر القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ».
في هذا الحديث دليل على استحباب تلاوة القرآن ودراسته في رمضان، واستحباب ذلك ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: { إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا } [المزمل:6].
وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام. وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وقال عبد الرازق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
وأنت ـ أختي المسلمة ـ ينبغي أن يكون لك ورد من تلاوة القرآن، يحيا به قلبك، وتزكو به نفسك، وتخشع له جوارحك، وبذلك تستحقين شفاعة القرآن يوم القيامة. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفّعان ». (رواه أحمد والحاكم بسند صحيح).
الوقفة السادسة: رمضان شهر الجود والإحسان:
أختي المسلمة: حث النبي صلى الله عليه وسلّم النساء على الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: « يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار » (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلّم: « تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن » (رواه البخاري).
ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت في يوم واحد بمائة ألف، وكانت صائمة في ذلك اليوم، فقالت لها خادمتها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟ فقالت: لو ذكرتني لفعلت!!.
أما الجود في رمضان فإنه أفضل من الجود في غيره، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلّم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان جوده صلى الله عليه وسلّم شاملاً جميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم.
ومن الجود في رمضان إطعام الصائمين: فاحرصي ـ أختي المسلمة ـ على أن تفطري صائماً، فإن في ذلك الأجر العظيم، والخير العميم، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً » (رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح).
واحرصي كذلك على الصدقة الجارية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له » (رواه مسلم).
الوقفة السابعة: رمضان شهر القيام:
أختي المسلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالوا له: يارسول الله! تفعل ذلك وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: « أفلا أكون عبداً شكورا » (متفق عليه). وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه » (متفق عليه).
وللمرأة أن تذهب إلى المسجد لتؤدي فيه الصلوات ومنها صلاة التراويح، غير أن صلاتها في بيتها أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: « لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن » (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
قال الحافظ الدمياطي: "كان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغلس ـ أي الظلمة ـ وكان إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلّم يقال للرجال: مكانكم حتى ينصرف النساء، ومع هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن صلاتهن في بيوتهن أفضل لهن. فما ظنك فيمن تخرج متزينة، متبخرة، متبهرجة، لابسة أحسن ثيابها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي صلى الله عليه وسلّم ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد. هذا قولها في حق الصحابيات ونساء الصدر الأول، فما ظنك لو رأت نساء زماننا هذا؟!" ا.هـ.
فعلى المرأة الرشيدة إذا أرادت الخروج إلى المسجد أن تخرج على الهيئة التي كانت عليها نساء السلف إذا خرجن إلى المساجد.
وعليها كذلك استحضار النية الصالحة في ذلك، وأنها ذاهبة لأداء الصلاة، وسماع آيات الله عز وجل، وهذا يدعوها إلى السكينة والوقار وعدم لفت الأنظار إليها.
بعض النساء يذهبن إلى المسجد مع السائق بمفردهن فيكن بذلك مرتكبات لمحرم سعياً في طلب نافلة، وهذا من أعظم الجهل وأشد الحمق.
ولا يجوز للمرأة أن تتعطر أو تتطيب وهي خارجة من منزلها، كما أنه لا يجوز لها أن تتبخر بالمجامر لقوله صلى الله عليه وسلّم: « إيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء » (رواه مسلم).
وعلى المرأة ألا تصطحب معها الأطفال الذين لا يصبرون على انشغالها عنهم بالصلاة، فيؤذون بقية المصلين بالبكاء والصراخ، أو بالعبث في المصاحف وأمتعة المسجد وغيرها.
الوقفة الثامنة: صيام الجوارح:
أختي المسلمة: اعلمي أن الصائم هو الذي صامَت جوارحه عن الآثام، فصامَت عيناه عن النظر إلى المحرمات، وصامَت أذناه عن سماع المحرمات من كذب وغيبة ونميمة وغناء وكل أنواع الباطل، وصامت يداه عن البطش المحرم، وصامت رجلاه عن المشي إلى الحرام، وصام لسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم فبالكلام الطيب الذي لاحت فائدته وبانت ثمرته، فلا يتكلم بالكلام الفاحش البذيء الذي يجرح صيامه أو يفسده. ولا يفري كذلك في أعراض المسلمين كذباً وغيبة ونميمة وحقداً وحسداً؛ لأنه يعلم أن ذلك من أكبر الكبائر وأعظم المنكرات ـ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم: « من لم يدع قول الزور والعمل به و الجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه » (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلّم: «.. وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحدُ أو قاتله فليقل:إني امرؤ صائم » (متفق عليه).
وأما من يصوم عن الطعام والشراب فقط، ويفطر على لحوم إخوانه المسلمين وأعراضهم فإنه المعني بقوله صلى الله عليه وسلّم: « رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش » (رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح).
الوقفة التاسعة: خطوات عملية للمحافظة على الأوقات في رمضان:
ينبغي على المرأة أن تستثمر أوقات هذا الشهر العظيم فيما يجلب لها الفوز و السعادة يوم القيامة، وأن تغتنم أيامه ولياليه فيما يقربها من الجنة ويباعدها عن النار، وذلك بطاعة الله تعالى والبعد عن معاصيه، وحتى تكون المرأة صائنة لأوقاتها في هذا الشهر الكريم فإن عليها ما يلي:
1ـ عدم الخروج من البيت إلا لضرورة، أو لطاعة لله محققة، أو حاجة لابد منها.
2ـ تجنب ارتياد الأسواق وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ويمكن شراء ملابس العيد قبل العشر الأواخر أو قبل رمضان.
3ـ تجنب الزيارات التي ليس لها سبب، وإن كان لها سبب كزيارة مريض فينبغي عدم الإطالة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى