المراة فى القصص القرانى
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المراة فى القصص القرانى
المراة فى القصص القرانى
ينطلق القرآن الكريم في تعامله مع المرأة في قصصه من نفس المطلق الذي يتعامل به معها في سائر المجالات التي تطرق إليها ؛فهي كفء الرجل من الناحية الإنسانية لا يوجد بينها وبين الرجل أي فرق في هذه الناحية:{ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}(غافر/40).
ولذلك فهي فإنها معززة مكرّمة عند الله تعالى إلى حد إبطال جميع العادات والتقاليد التي كانت تحط منها،وتسيء إليها كإنسان من الممكن أن يؤدي الأدوار الإنسانية الموكلة إليه :{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(النحل/58).
وهي لاتختلف عن الرجل إلا في طبيعتها العضوية والتكوينية التي تستوجب منها القيام بأدوار لايستطيع الرجل القيام بها،وتقتضي منها الإنصراف عن بعض الأدوار التي لا تتناسب وتلك الطبيعة.
وعلى هذا فإن الإختلاف بين الرجل والمرأة في (الإنسانية)معدوم تماماً ،وإن كان هناك اختلاف بينهما في طبيعة الأدوار الموكلة إلى كل منهما،فهو اختلاف طبيعي يفرضه الواقع وليس فيه اي انتقاص من مكانة المرأة، إن لم يكن فيه سمو بمقام المرأة ،وارتفاع به إلى أعلى المستويات ،فأي مكانة أفضل وأسمى من مكانة (الأمومة) التي في أحضانها تتربى الأجيال ومنها تتخرج،وأي منزلة أسمى من منزلة إنجاب هذه الأجيال وإخراجها إلى الحياة،وأي درجة أرفع من درجتها عندما تكون زوجة للرجل وشريكة له في حياته تناصره وتؤازره ،وتعينه على مصاعب الحياة،ويستمد منها العزم والمثابرة في الوصول إلى أهدافه،وكم من رجل بلغ أسمى درجات العبقرية والشهرة والنبوغ بفضل المرأة الزوج أو المرأة الأم، وصدق من قال:"وراء كل رجل عظيم امرأة".
***
وعلى هذا الأساس فإن المرأة تعتبر عنصراً أصيلاً في القصص القرآني كما أن الرجل عنصر أصيل،وهي تظهر لنا في هذا القصص كإنسان يلعب أدواراً مختلفة في الحياة سواء أكانت هذه الأدوار خيرة أم شريرة،وسواء كانت إيجابية أم سلبية ،والقرآن الكريم يريد أن يفهمنا من خلال ذلك أن المرأة كالرجل تماماً من الممكن أن تكون نموذجاً كاملاً للعفة والطهر والنقاء والتقى،ومن الممكن – في نفس الوقت-أن مثال الإنسان في شره المستطير وكفره ولجاجته وعناده ومحاربته للدعوات الإلهية.
كما تبدو لنا المرأة في القصص القرآني كـ (أنثى) تحركها دوافعها الغريزية الخاصة بها والتي تميزها عن الرجل؛ فنرى في هذا القصص المرأة (الأم)، والمرأة (الزوج)،والمرأة(الأخت)،والمرأة(الأنثى)الطالبة للزوج والأسرة.
وينحاول فيما يلي أن نورد نماذج مختلفة من المرأة جاءت في القصص القرآني،وكشف لنا القرآن من خلالها عن المنهج الذي اتبعه في التعامل مع المرأة في قصصه،وكونها كفءاً للرجل في الإنسانية،وكفءاً له في الأدوار الإنسانية التي من الممكن أن تقوم بها:
أ- نماذج إيجابية خيّرة من المرأة في القصص القرآني:
1- مريم بنت عمران:
لعل نموذج مريم(ع) هو النموذج الأول الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المجال،نظراً إلى ذلك الإهتمام المكثف الذي أولاه الخالق تعالى لها في القرآن الكريم،من خلال العدد الكبير من الآيات التي خصصها للحديث عنها[1]،حتى أنه أطلق اسمها على سورة من سوره.
وقد أشاد القرآن الكريم بعفة هذه المرأة وطهارتها وتقواها في آيات كثيرة بل وفي جميع الآيات التي تحدثت عنها ،إلى درجة أنه رفعها إلى مستوى التفضيل المطلق على نساء أهل زمانها:
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}(آل عمران/42).
وحتى أن قدسيتها وطهرها ارتفعا إلى مستوى النفخ فيها من روح الله:{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء/91).
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(التحريم/12).
كل ذلك يثبت لنا أن المرأة (كإنسان)تمتلك من القدرات والمواهب والاستعدادات ما يجعلها تغدو مثالاً للطهر والتعفف والنزاهة تماماً كما هو الحال في الرجل، بل إنها قد تفوق في هذا الجانب الكثير من الرجال.
2- إمرأة فرعون:
يثبت لنا القرآن الكريم من خلال هذا النموذج أن المرأة –خلافاً لما أشيع عنها من أنها تمثل كائناً ضعيفاً ،منقاداً للتأثيؤات المختلفة- من الممكن أن تكون –على العكس من ذلك- نظيراً للرجل في قوة الإرادة،واستقلالية التفكير،وعدم الخضوع لأي تأثير يتنافى مع قناعاتها ورؤاها،بل هي ند للرجل في الجهاد والكفاح وتحمل المصائب في سبيل هذه القناعة.
وتعد إمرأة فرعون أنموذجاً كاملاً في هذا المجال :{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(التحريم/11).
ومن الطريف حقاً أن القرآن الكريم ذكر في القصة نفسها-أي قصة موسى(ع) مع فرعون- رجلاً (هو مؤمن آل فرعون) قام بنفس الدور الذي قامت به امرأة فرعون:{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}(غافر/28)[2].
وكأنه أراد أن يلفت انتباهنا أن المرأة من الممكن أن تناظر الرجل وتنافسه في هذا المجال،وأنها تمتلك من القدرات والإستعدادات ما يجعلها تحكّم تفكيرها وعقلها فيما يعرض عليها من أمور ،ثم تختار بعد ذلك الأصح والأصلح على ضوء ذلك التفكير ،ومن ثم تجاهد وتصمد وتقاوم في سبيل تلك القناعات.
3- ملكة سبأ:
يعرض علينا القرآن الكريم في سورة النحل نموذج المرأة المتعقلة الحكيمة التي تستطيع بعقلها وحكمتها أن تدبر شؤون مملكة بأكملها:{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}(النمل/23).
ثم تصل هذه الحكمة إلى ذروتها عندما تستجيب(بلقيس)عن إيمان واقتناع لدعوة سليمان(ع)دونما لجاجة ودونما عناد كما هو الحال عند أغلبية الملوك المنحرفين عن العقائد الإلهية:{ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(النمل/44).
ومن الملفت للنظر أن القرآن الكريم يذكر لنا في قصتها أنها قد تفوقت بحصافتها وحكمتها على رجال حاشيتها الذين أشاروا عليها بعدم الإستجابة لدعوة سليمان(ع) وإعلان الحرب ضده:{ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ}(النمل/33).
ولكنها وبفضل تلك المواهب التي كانت تتمتع بها أدركت أن لا جدوى من المقاومة والعناد،وأن هذه المقاومة سوف لا تورث لها ولمملكتها سوى الخراب والدمار والذلة فالأفضل لها –إذن- أن تستجيب لدعوة سليمان(ع) ، ولكنها وقبل أن تعلن استجابتها له أرادت أن تجس نبضه-كما يقال- عن طريق إرسال الهدايا له :هل هو ماض في تهديداته،أم أنه كسائر الملوك همه الوحيد أن يسيطر على الممالك الضعيفة ويجبي الأموال والخراجات منها؟:{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}(النمل/35).
كل هذه المواقف وغيرها من (بلقيس)تدل على أنها تمثل نموذج المرأة في عدم استسلامها لعواطفها،وفي تحكيمها لعقلها وحكمتها في الأمور الهامة المعروضة عليها،كما تدل الآيات القرآنية على استقلاليتها في التفكير واتخاذ القرارات وعدم تأثرها بإيحاءات الآخرين .
فلنتأمل – مثلاً – التي ختم بها رجالُ حاشيتها جوابَهم لمليكتهم:{ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}(النمل/33)، ثم لنلاحظ كيف أنها اتخذت أخيراً القرار الذي اقتنعت به وتوصلت اليه بنفسها دون أي تأثير خارجي:{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}(النمل/35)، وهذه المواقف إن دلت على شيء فإنما تدل على قوة شخصيتها وحزمها رغم كونها امرأة ضعيفة التكوين،ضعيفة العواطف والمشاعر.
ب-نماذج سلبية شريرة:
وفي نفس الوقت الذي قدم فيه القرآن الكريم في ثنايا قصصه نماذج رائعة من المرأة ،فإنه عرض لنا –بالإضافة إلى ذلك- نماذج شريرة سلبية منها،نذكر بعضاً منها فيما يلي:
1-امرأتا نوح ولوط:
وذلك في قوله تعالى على سبيل الحكاية وضرب المثل:{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ }(التحريم/10).
هذان النموذجان يعرضان لنا المرأة عندما تنحرف عن طبيعتها ووظيفتها الطبيعية في مناصرة الزوج ومؤازرته وإعانته على تحمل المكاره والمصاعب رغم عيشها في ظروف من المفترض أن تدفعها إلى الإيمان،إذإن هاتين المرأتين قد عاشتا –كما يصرح بذلك القرآن الكريم- في بيتين من بيوتات النبوة ولكنهما –رغم ذلك- تخرجتا من هذين البيتين لتحارباهما دون هوادة وعلى طول الخط من غير أن تتراجعا عن موقفهما وتعودا إلى رشدهما حتى استحقتا العذاب الأليم الدائم في جهنم،كما تصرح بذلك الآية القرآنية:{ وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
ورغم أن هذين النموذجين هما في غاية السلبية إلا أنهما يدلان-على أية حال- دلالة واضحة على أن المرأة حرة –كالرجل- في اتخاذ قرارها بنفسها،وتحديد المصير الذي ترتئيه لنفسها،وبينما نرى أن (امرأة فرعون) قد اختارت لنفسها طريق الإيمان بالدعوة الإلهية والتضحية في سبيلها رغم قسوة زوجها فرعون وبطشه،نرى امرأة نوح وامرأة لوط قد شقتا الطريق المقابل؛طريق محاربة الدعوة الإلهية ،والثبات والإستمرار في هذه المحاربة.
2-إمرأة العزيز:
وهي النموذج المثالي للمرأة حينما تستسلم لشهواتها ونزواتها،وعندما تمزق حجب الحياء والخفر التي فطرت عليها المرأة لتتحول إلى كائن شهواني لاهم له سوى إشباع صوت غريزته وإسكاته مهما كلف الثمن:{ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ}(يوسف/32).
بل إن الأمر ليصل بها إلى حد الخروج عن طبيعة الأنثى في خفرها وحيائها وتمنّعها على الرجل واضطراره إلى أن يجري هو وراءها لا أن تتشبث هي به ،فإذا بها تحاول أن تجبر يوسف على أن يمارس الحب معها وأن تتوسل بكل الوسائل من إغراءات وتهديدات،حتى يصل بها الأمر إلى أن تتشبث بقميصه وهي نجري وراءه في محاولة منها لإكراهه على موافقتها،كما يصور لنا القرآن الكريم ذلك في قوله:
{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ...}(يوسف/23-25).
إنها المرأة وهي تلعب في القصص القرآني دور الإنسان الذي جرفته شهواته فاستسلم وانقاد لها دون أن يمنعها من هذا الإستسلام والإنقياد أي وازع اجتماعي أو داخلي.
ج-نماذج محايدة عامة من المرأة في القصص القرآني:
من خلا هذا النوع من النماذج،يعطي القرآن الكريم المرأة أدواراً مختلفة يمكن أن تؤديها أية امرأة إذا أخذنا بنظر الاعتبار التكوين الفطري والعضوي الخاص بها،وينحاول فيما يلي أن نستل من القصص القرآني بعضاً من تلك الأدوار على سبيل المثال:
1- المرأة الأم:
لعل أم موسى(ع) هي أفضل نموذج يمكن أن نعرضه في هذا المجال،فلقد قدم لنا القرآن في قصة موسى(ع)نموذجاً رائعاً للمرأة في جانبها الأمومي الحريص على فلذة الكبد،المتلهف على رؤيته:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}(القصص/7).
والقرآن الكريم يصور لنا طغيان عواطف الأمومة على المرأة بشكل رائع إلى درجة أن الوعد الإلهي برعاية الطفل وإرجاعه إلى أمه لا ينفع هو ايضاً في الحد من ذلك الطغيان لولا أن يتدخل العامل الغيبي بصورة مباشرة في تسكين قلب الأم والربط عليه:{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(القصص/10).
ثم يصور لنا القرآن الكريم بعد ذلك حرص الأم الشديد على تتبع اخبار ولدها والاطمئنان على مصيره:{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}(القصص/10)[3].
وتبقى الأم على هذه اللهفة ،وهذا الشوق العظيم لرؤية طفلها الحبيب،ويتلطف الله تعالى لها في الأسباب من أجل أن يعيد إليها فلذة كبدها،فهو تعالى خالق المرأة،وهو يعلم حق العلم تلك العلاقة المتينة الأزلية التي تربط بين الأم وطفلها:{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}(القصص/12).
وأخيراً يطفئ الخالق سبحانه غليل الأم ولوعتها وحرقتها برد وليدها اليها:{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(القصص/13).
2- المرأة الأنثى:
تعد ابنة شعيب أفضل نموذج يذكر في هذا المجال،إنها مثال المرأة التي تحاول أن تبحث أن تبحث لنفسها عن الزوج دون ان يكون هذا البحث على حساب حيائها وكبريائها كأنثى ،وبالفعل فإنها تجد الرجل الذي يدخل إلى قلبها بقوة بقوته وأخلاقه الفاضلة النبيلة وتحاول أن تتلطف في اتخاذ هذا الرجل زوجاً تسكن اليه وترضي من خلاله طبيعتها الأنثوية المحتاجة إلى الحب والألفة والقوة والحماية:{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}(القصص/26).
ثم انظر كيف يصور لنا القرآن الكريم ذلك الخفر والحياء الأنثويين وهي تتقدم نحو موسى(ع)تتعثر باستحيائها :{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }(القصص/25) .
نخلص من كل ماتقدم أن المرأة لعبت دورها في القصص القرآني جنباً إلى جنب الرجل ،وأن هذه الأدوار التي لعبتها أدوار مختلفة منها ما يتعلق بطبيعتها كأنثى تحمل من الخصائص العضوية والشعورية والعاطفية ما لايحمله الرجل،ومنها ما يتعلق بكونها (إنساناً عاقلاً مكلفاً)تناظر الرجل بهذه الكينونة.
والقرآن الكريم ينطلق في تعامله مع المرأة في قصصه من ذلك المنطلق العام الذي يتعامل به معها في سائر جوانبه وتشريعاته.
بقلم
دكتور سعدى عمران
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى